الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **
( 289) سئل فضيلة الشيخ: عمن يعبد القبور بالطواف حولها ودعاء أصحابها والنذر لهم إلى غير ذلك من أنواع العبادة؟ . فأجاب بقوله : هذا السؤال سؤال عظيم ، وجوابه يحتاج إلى بسط بعون الله - عز وجل - فنقول : إن أصحاب القبور ينقسمون إلى قسمين : القسم الأول:قسم توفي على الإسلام ويثني الناس عليه خيراً فهذا يرجى له الخير، ولكنه مفتقر إلى إخوانه المسلمين يدعون الله له بالمغفرة والرحمة وهو داخل في عموم قوله - تعالى - : القسم الثاني من أصحاب القبور: من أفعاله تؤدي إلى فسقه الفسق المخرج من الملة كأولئك الذين يدعون أنهم أولياء ، ويعلمون الغيب ويشفون من المرض ، ويجلبون الخير والنفع بأسباب غير معلومة حساً ولا شرعاً ، فهؤلاء الذين ماتوا على الكفر، لا يجوز الدعاء لهم ولا الترحم عليهم لقول الله - تعالى - : وإنني أحذر إخواني المسلمين من أن يتعلقوا بأحد سوى الله - عز وجل - فإنه - سبحانه وتعالى - هو الذي بيده ملكوت السماوات والأرض وإليه يرجع الأمر كله ، ولا يجيب دعوة المضطر إلا الله ، ولا يكشف السوء إلا الله ، قال - تعالى - : ويجب على جميع المسلمين أن يزنوا أعمال من يدعي الولاية بما جاء في الكتاب والسنة فإن وافق الكتاب والسنة فإنه يرجى أن يكون من أولياء الله وإن خالف الكتاب والسنة فليس من أولياء الله وقد ذكر الله في كتابه ميزاناً قسطاً عدلاً في معرفة أولياء الله حيث قال : وليعلم أن الله - عز وجل - قد يفتن الإنسان بشيء من مثل هذه الأمور فقد يتعلق الإنسان بالقبر فيدعو صاحبه أو يأخذ من ترابه يتبرك به فيحصل مطلوبه ويكون ذلك فتنة من الله - عز وجل - لهذا الرجل لأننا نعلم أن هذا القبر لا يجيب الدعاء وأن هذا التراب لا يكون سبباً لزوال ضرر أو جلب نفع نعلم ذلك لقول الله - تعالى - : ثم انظر إلى ما حصل لأصحاب النبي ، صلى الله عليه وسلم ، حيث ابتلاهم الله - تعالى - وهم محرمون بالصيود المحرمة على المحرم فكانت في متناول أيديهم ولكنهم - رضي الله عنهم - لم يجرؤوا على شيء منها قال الله - تعالى - : (290) وسئل - جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء : عن حكم النذر والتبرك بالقبور ، والأضرحة؟ . فاجاب - حفظه الله تعالى- بقوله : النذر عبادة لا يجوز إلا لله - عز وجل - وكل من صرف شيئاً من أنواع العبادة لغير الله فهو مشرك كافر ، قد حرم الله عليه الجنة ، ومأواه النار ، قال الله - تعالى - : وأما التبرك بها : فإن كان يعتقد أنها تنفع من دون الله - عز وجل - فهذا شرك في الربوبية مخرج عن الملة ، وإن كان يعتقد أنها سبب وليست تنفع من دون الله فهو ضال غير مصيب ، وما اعتقده فإنه من الشرك الأصغر ، فعلى من ابتلي بمثل هذه المسائل أن يتوب إلى الله - سبحانه وتعالى - وأن يقلع عن ذلك قبل أن يفاجئه الموت ، فينتقل من الدنيا على أسوأ حال ، وليعلم أن الذي يملك الضر والنفع هو الله - سبحانه وتعالى - وأنه هو ملجأ كل أحد ، كما قال الله - تعالى - :
(291) سئل فضيلة الشيخ : كيف نجيب عباد القبور الذين يحتجون بدفن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، في المسجد النبوي؟. فأجاب بقوله : الجواب عن ذلك من وجوه : الوجه الأول : أن المسجد لم يبن على القبر بل بني في حياة النبي ، صلى الله عليه وسلم . الوجه الثاني : أن النبي صلى الله عليه وسلم - لم يدفن في المسجد حتى يقال : إن هذا من دفن الصالحين في المسجد؛ بل دفن ، صلى الله عليه وسلم ، في بيته. الوجه الثالث: أن إدخال بيوت الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، ومنها بيت عائشة مع المسجد ليس باتفاق الصحابة بل بعد أن انقرض أكثرهم ، وذلك في عام أربعة وتسعين هجرية تقريباً ، فليس مما أجازه الصحابة ؛ بل إن بعضهم خالف في ذلك وممن خالف أيضاً سعيد بن المسيب . الوجه الرابع: أن القبر ليس في المسجد حتى بعد إدخاله ، لأنه في حجرة مستقلة عن المسجد فليس المسجد مبنياً عليه، ولهذا جعل هذا المكان محفوظاً ومحوطاً بثلاثة جدران ، وجعل الجدار في زاوية منحرفة عن القبلة أي إنه مثلث، والركن في الزاوية الشمالية حيث لا يستقبله الإنسان إذا صلى لأنه منحرف ، وبهذا يبطل احتجاج أهل القبور بهذه الشبهة. (292) سئل فضيلة الشيخ:عن رجل بنى مسجداً وأوصى أن يدفن فيه فدفن فما العمل الآن؟. فأجاب بقوله : هذه الوصية أعني الوصية أن يدفن في المسجد غير صحيحة ، لأن المساجد ليست مقابر ، ولا يجوز الدفن في المسجد ، وتنفيذ هذه الوصية محرم ، والواجب الآن نبش هذا القبر وإخراجه إلى مقابر المسلمين. (293) وسئل فضيلته : عن حكم البناء على القبور؟ . فأجاب بقوله : البناء على القبور محرم وقد نهى عنه النبي ، صلى الله عليه وسلم ، لما فيه من تعظيم أهل القبور وكونه وسيلة وذريعة إلى أن تعبد هذه القبور وتتخذ آلهة مع الله كما هو الشأن في كثيرمن الأبنية التي بنيت على القبور فأصبح الناس يشركون بأصحاب هذه القبور، ويدعونها مع الله - تعالى - ودعاء أصحاب القبور والاستغاثة بهم لكشف الكربات شرك أكبر وردة عن الإسلام. والله المستعان.
(294) وسئل الشيخ - حفظه الله - تعالى : عن حكم دفن الموتى في المساجد؟ . فأجاب قائلاً : الدفن في المساجد نهى عنه النبي ، صلى الله عليه وسلم ، ونهى عن اتخاذ المساجد على القبور ولعن من اتخذ ذلك وهو في سياق الموت يحذر أمته ويذكر ، صلى الله عليه وسلم ، أن هذا من فعل اليهود والنصارى ، ولأن هذا وسيلة إلى الشرك بالله - عز وجل- لأن إقامة المساجد على القبور ودفن الموتى فيها وسيلة إلى الشرك بالله- عز وجل- في أصحاب هذه القبور فيعتقد الناس أن أصحاب هذه القبور المدفونين في المساجد ينفعون أو يضرون أو أن لهم خاصية تستوجب أن يتقرب إليهم بالطاعات من دون الله - سبحانه وتعالى - فيجب على المسلمين أن يحذروا من هذه الظاهرة الخطيرة وأن تكون المساجد خالية من القبور مؤسسة على التوحيد والعقيدة الصحيحة قال الله - تعالى- : (295) وسئل : عن حكم الصلاة في المسجد الذي فيه قبر؟ فأجاب بقوله : إذا كان هذا المسجد مبنياً على القبر فإن الصلاة فيه محرمة ويجب هدمه لأن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، لعن اليهود والنصارى حيث اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد تحذيراً مما صنعوا. وأما إذا كان المسجد سابقاً على القبر فإنه يجب إخراج القبر من المسجد ويدفن فيما يدفن فيه المسلمون ، ولا حرج علينا في هذه الحال إذا نبشنا هذا القبر لأنه دفن في مكان لا يحل أن يدفن فيه فإن المساجد لا يحل دفن الموتى فيها. والصلاة في المسجد إذا كان سابقاً على القبر صحيحة بشرط ألا يكون القبر في ناحية القبلة فيصلي الناس إليه لأن النبي ، صلى عليه وسلم ، نهى عن الصلاة إلى القبور وبالإمكان إذا لم يتمكنوا من نبش القبر أن يهدموا سور المسجد. (296) وسئل فضيلة الشيخ : عن المراد بقول النبي ، صلى الله عليه وسلم : فأجاب بقوله : اختلف في المعنى المراد بقول النبي ، صلى الله عليه وسلم : القول الأول : أن المعنى لا تدفنوا فيها موتاكم وهذا ظاهر اللفظ ، ولكنه أورد على ذلك دفن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، في بيته . وأجيب بأنه من خصائصه . القول الثاني: أن المعنى لا تجعلوا البيوت مثل المقابر لا تصلون فيها ؛ لأنه من المتقرر عندهم أن المقابر لا يصلى فيها ، ويؤيده ما جاء في بعض الطرق وكلا المعنيين صحيح فإن الدفن في البيوت وسيلة إلى الشرك ، ولأن العادة المتبعة من عهد النبي ، صلى الله عليه وسلم ، إلى يومنا أن الدفن مع المسلمين ، ولأنه يضيق على الورثة وربما يستوحشون منه، وقد يحدث عنده من الأفعال المحرمة ما يتنافى مع مقصود الشارع وهو تذكير الآخرة. وفي هذا الحديث دليل على أن المقابر ليست محلاً للصلاة ؛ لأن اتخاذ المقابر مكاناً للصلاة سبب للشرك . والحديث يدل أيضاً على أن الأفضل أن المرء يجعل من صلاته في بيته ، وذلك جميع النوافل لقوله ، صلى الله عليه وسلم : (297) وسئل أيضاً : عن حكم إضاءة مقامات الأولياء ونذر ذلك؟ . فأجاب فضيلته : إضاءة مقامات الأولياء والأنبياء التي يريد بها السائل قبورهم هذه الإضاءة محرمة وقد ورد عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، لعن فاعليها فلا يجوز أن تضاء هذه القبور وفاعل ذلك ملعون على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعلى هذا إذا نذر الإنسان إضاءة هذا القبر فإن نذره محرم وقد قال النبي ، صلى الله عليه وسلم ، : ولكن هل يجب عليه أن يكفر كفارة يمين لعدم وفائه بنذره أو لا يجب؟ هذا محل خلاف بين أهل العلم ، والاحتياط أن يكفر كفارة يمين عن عدم وفائه بهذا النذر . والله أعلم. (298) وسئل فضيلة الشيخ : عن حكم إسراج المقابر؟ . فأجاب بقوله : المقبرة التي لا يحتاج الناس إليها كما لو كانت المقبرة واسعة ، وفيها موضع قد انتهى الناس من الدفن فيه فلا حاجة إلى إسراجه، أما الموضع الذي يقبر فيه فيسرج ما حوله فقد يقال : بجوازه لأنها لا تسرج إلا بالليل فليس في ذلك ما يدل على تعظيم القبر بل اتخذت للحاجة . ولكن الذي نرى المنع مطلقاً للأسباب الآتية : السبب الأول : أنه ليس هناك ضرورة . السبب الثاني : أن الناس إذا وجدوا ضرورة لذلك فيمكنهم أن يحملوا سراجاً معهم. السبب الثالث: أنه إذا فتح هذا الباب فإن الشر سيتسع في قلوب الناس ولا يمكن ضبطه فيما بعد. أما إذا كان في المقبرة حجرة يوضع فيها اللبن ونحوه ، فلا بأس بإضاءتها لأنها بعيدة عن القبور ، والإضاءة داخلة لا تشاهد. (299) وسئل فضيلته : عن حكم السفر لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، ؟ فأجاب بقوله : شد الرحال إلى زيارة القبور أيّاً كانت هذه القبور لا يجوز لأن النبي ، صلى الله عليه وسلم يقول :
(300) سئل فضيلة الشيخ : هناك مسجد في اليمن يقال : إنه مسجد معاذ بن جبل المشهور بمسجد الجند ، ويأتي الناس لزيارته في الجمعة من شهر رجب من كل سنة رجالاً ونساء فما حكم هذا العمل وما نصيحتكم لهؤلاء؟ . فأجاب بقوله : هذا غير مسنون لأمور: أولاً : لأنه لم يثبت أن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - حين بعثه النبي ، صلى الله عليه وسلم،إلى اليمن اختط مسجداً له هناك ، وإذا لم يثبت ذلك فإن دعوى أن هذا المسجد له دعوى بغير بينة ، وكل دعوى بغير بينة فإنها غير مقبولة. ثانياً : لو ثبت أن معاذ بن جبل اختط مسجداً هناك فإنه لا يشرع إتيانه وشد الرحل إليه ، بل شد الرحل إلى مساجد غير المساجد الثلاثة منهي عنه ، قال النبي ، صلى الله عليه وسلم ، : ثالثاً : أن تخصيص هذا العمل بشهر رجب بدعة أيضاً فإن شهر رجب لم يخص بشيء من العبادات لا بصوم ولا بصلاة وإنما حكمه حكم الأشهر الحرم الأخرى ، والأشهر الحرم هي : رجب ، وذو القعدة ، وذو الحجة ، ومحرم . هذه الأشهر التي قال الله - تعالى - عنها في كتابه : (301) سئل فضيلة الشيخ : هل استجاب الله دعوة نبيه ، صلى الله عليه وسلم ، بأن لا يجعل قبره وثناً يعبد أو اقتضت حكمته غير ذلك؟ . فأجاب بقوله : يقول : ابن القيم : إن الله استجاب له فلم يذكر أن قبره ، صلى الله عليه وسلم ، جعل وثناً ، بل إنه حمي قبره بثلاثة جدران فلا أحد يصل إليه حتى يجعله وثناً يعبد من دون الله ، ولم نسمع في التاريخ أنه جعل وثناً . صحيح أنه يوجد أناس يغلون فيه ، ولكن لم يصلوا إلى جعل قبره وثناً . ولكن قد يعبدون الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، ولو في مكان بعيد . (302) وسئل فضيلته : عن رجل توفي وبعد مدة رآه رجل في المنام وطلب منه أن يخرجه من القبر ويبني له مقاماً ففعل فما حكم هذا العمل؟ فأجاب قائلاً : الحكم في هذا أنه فعل محرم ، وأن المرائي التي ترى في المنام إذا كانت مخالفة للشرع فإنها باطلة ، وهي من ضرب الأمثلة التي يضربها الشيطان ومن وحي الشيطان فلا يجوز تنفيذها أبداً ، لأن الأحكام الشرعية لا تتغير بالمنامات ، والواجب عليهم الآن أن يهدموا هذا المقام الذي بنوه له وأن يردوه إلى مقابر المسلمين. ونصيحتي لهؤلاء وأمثالهم أن يعرضوا كل ما رأوه في المنام على الكتاب والسنة ، فما خالف الكتاب والسنة ، فمطروح مردود ولا عبرة به، ولا يجوز للإنسان أن يعتمد في أمور دينه على هذه المرائي الكاذبة ؛ لأن الشيطان أقسم بعزة الله - عز وجل - أن يغوي بني آدم إلا عباد الله المخلصين ، فمن كان مخلِصاً لله ومخلَصاً له، متبعاً لدينه مبتغياً لدينه فإنه يسلم من إغواء الشيطان وشره ، وأما من كان خلاف ذلك فإن الشيطان يتلاعب به في عبادته ، وفي اعتقاداته ، وفي أفكاره ، وفي أعماله ، فليحذره يقول : الله - عز وجل - :
(303) سئل فضيلة الشيخ: عن مقبرة قديمة أصبحت طريقا للناس والبهائم كيف يعمل بها؟ فأجاب بقوله : أود أن أبين بهذه المناسبة أن لأصحاب القبور حقوقاً لأنهم مسلمون ، ولهذا نهى النبي ، صلى الله عليه وسلم ، أن يوطأ على القبر وأن يجلس عليه وقال : (304) سئل فضيلة الشيخ : هل يشرع للإنسان أن يقول : اللهم اجعلني لقبر نبيك محمد، صلى الله عليه وسلم ، من الزائرين . أو يقول : لمسجد نبيك محمد، صلى الله عليه وسلم ، من الزائرين؟ فأجاب قائلاً : المشروع أن يقول : لمسجده ، صلى الله عليه وسلم ، من الزائرين ؛ لأن مسجده هو الذي تشد إليه الرحال وليس قبره ، قال النبي ، صلى الله عليه وسلم ، : وها هنا نقطة أحب أن أنبه عليها وهي : أن كثيراً من الناس يتشوقون إلى زيارة قبر النبي ، صلى الله عليه وسلم ، أكثر مما يتشوقون إلى زيارة مسجده،بل أكثر مما يتشوقون إلى زيارة الكعبة ،بيت الله - عز وجل -وهذا من الضلال البين ،فإن حق النبي ،صلى الله عليه وسلم ، لا يشك أحد أنه دون حق الله - تعالى - فالرسول ، عليه الصلاة والسلام ، بشر مرسل من عند الله ، ولولا أن الله اجتباه برسالته ،لم يكن له من الحق هذا الحق الذي يفوق حق كل بشر، أما أن يكون مساوياً لحق الله- عز وجل- أو يكون في قلب الإنسان محبة لرسول الله ، صلى الله عليه وسلم ،تزيد على محبة الله ، فإن هذا خطأ عظيم ، فمحبة الرسول صلى الله عليه وسلم تابعة لمحبة الله ، وتعظيمنا له ، صلى الله عليه وسلم ، تابع لتعظيم الله - عز وجل - وهو دون تعظيم الله - تعالى - ولهذا نهى النبي ، صلى الله عليه وسلم ، أن نغلو فيه وأن نجعل له حقاً مساوياً لحق الله - عز وجل - فقد قال له رجل مرة : ما شاء الله وشئت . فقال النبي ، صلى الله عليه وسلم، : والخلاصة : أنه يجب على الإنسان أن يكون تعظيم الله - تعالى - ومحبته في قلبه أعظم من محبة وتعظيم كل أحد ، وأن تكون محبة النبي ، صلى الله عليه وسلم ، وتعظيمه في قلبه أعظم من محبة وتعظيم كل مخلوق، وأما أن يساوي بين حق الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، وحق الله - تعالى - فيما يختص الله به فهذا خطأ عظيم. (305) وسئل حفظه الله تعالى : عن رجل حفر لتأسيس بيته فوجد عظاماً فأخرجها فما حكم عمله هذا؟ . فأجاب قائلاً :إذا تيقن أو غلب على ظنه أنها عظام موتى مسلمين فإنه لا يجوز له نقل العظام، وأصحاب القبور أحق بالأرض منه ، لأنهم لما دفنوا فيها ملكوها ، ولا يحل له أن يبني بيته على قبور المسلمين ، ويجب عليه إذا تيقن أن هذا المكان فيه قبور أن يزيل البناء ، وأن يدع القبور لا بناء عليها . وفي مثل هذه الحال الواجب مراجعة ولاة الأمور. ( 306) وسئل رعاه الله بمنه وكرمه : هل ترد أرواح الموتى إليهم يومي الاثنين والخميس ليردوا السلام على الزوار؟ . فأجاب بقوله : هذا لا أصل له وزيارة المقابر مشروعة كل وقت لقول النبي ، صلى الله عليه وسل،: واعلم ان المقصود بالزيارة أمران: أحدهما : انتفاع الزائر بتذكر الآخرة والاعتبار والاتعاظ ، فإن هؤلاء القوم الذين هم الآن في بطن الأرض ، كانوا بالأمس على ظهرها وسيجري لهذا الزائر ما جرى لهم ، فيعتبر ويغتنم الأوقات والفرص ، ويعمل لهذا اليوم الذي سيكون في هذا المثوى الذي كان عليه هؤلاء . وثانيهما : الدعاء لأهل القبور بما كان الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، يدعو به من السلام وسؤال الرحمة ، وأما أن يسأل الأموات ويتوسل بهم فإن هذا محرم ومن الشرك ؛ ولا فرق في هذا بين قبر النبي ، صلى الله عليه وسلم ، وقبر غيره فإنه لا يجوز أن يتوسل أحد بقبر النبي ، عليه الصلاة والسلام ، أو بالنبي ، صلى الله عليه وسلم ، بعد موته فإن هذا من الشرك لأنه لو كان هذا حقاً لكان أسبق الناس إليه الصحابة- رضي الله عنهم- ومع ذلك فإنهم لا يتوسلون به بعد موته فقد استسقى عمر -رضي الله عنه - ذات يوم فقال: "اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا" ثم قام العباس - رضي الله عنه - فدعا وهذا دليل على أنه لا يتوسل بالميت مهما كانت درجته ومنزلته عند الله - تعالى - وإنما يتوسل بدعاء الحي الذي ترجى إجابة دعوته ؛ لصلاحه واستقامته في دين الله - عز وجل - فإذا كان الرجل ممن عرف بالدين والاستقامة وتوسل بدعائه، فإن هذا لا بأس به كما فعل أمير المؤمنين عمر - رضي الله عنه - ، وأما الأموات فلا يتوسل بهم أبداً ، ودعاؤهم شرك أكبر مخرج من الملة قال الله - تعالى - : (307) سئل فضيلة الشيخ - حفظه الله - : هل المسلم إذا ألقى السلام على الميت في قبره يرد الله عليه روحه ويرد السلام؟ فأجاب -حفظه الله- بقوله : هذا الذي ذكره السائل جاء فيه حديث مرفوع صححه ابن عبد البر وهو أنه (ما من مسلم يمر بقبر رجل مسلم كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا رد عليه روحه فرد عليه السلام) . (308) وسئل فضيلة الشيخ - حفظه الله -: عن حكم زيارة المقابر ؟ وحكم قراءة الفاتحة عند زيارتها ؟ وحكم زيارة النساء للقبور؟. فأجاب بقوله: زيارة القبور سنة أمر بها النبي ، صلى الله عليه وسلم ،بعد أن نهى عنها كما ثبت ذلك عنه ، صلى الله عليه وسلم ، في قوله : وينبغي لمن زار المقبرة أن يدعو بما كان النبي ، صلى الله عليه وسلم يدعو به وعلمه أمته: ولم يرد عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، أنه كان يقرأ الفاتحة عند زيارة القبور وعلى هذا فقراءة الفاتحة عند زيارة القبور خلاف المشروع عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ،. وأما زيارة القبور للنساء فإن ذلك محرم لأن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، لعن زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج، فلا يحل للمرأة أن تزور المقبرة هذا إذا خرجت من بيتها لقصد الزيارة ، أما إذا مرت بالمقبرة بدون قصد الزيارة فلا حرج عليها أن تقف وأن تسلم على أهل المقبرة بما علمه النبي ، صلى الله عليه وسلم ، أمته ، فيفرق بالنسبة للنساء بين من خرجت من بيتها لقصد الزيارة ،ومن مرت بالمقبرة بدون قصد فوقفت وسلمت، فالأولى التي خرجت من بيتها للزيارة قد فعلت محرماً وعرضت نفسها للعنة الله -عز وجل- وأما الثانية فلا حرج عليها . (309) وسئل فضيلة الشيخ : هناك من يزور القبور ويدعو الأموات وينذر لهم ويستغيث بهم ويستعين بهم لأنهم كما يزعم أولياء لله فما نصيحتكم لهم؟ . فأجاب بقوله : نصيحتنا لهؤلاء وأمثالهم أن يرجع الإنسان إلى عقله وتفكيره ، فهذه القبور التي يزعم أن فيها أولياء تحتاج: أولاً : إلى إثبات أنها قبور إذ قد يوضع شيء يشبه القبر ويقال : هذا قبر فلان كما حدث ذلك مع أنه ليس بقبر. ثانياً : إذا ثبت أنها قبور فإنه يحتاج إلى إثبات أن هؤلاء المقبورين كانوا أولياء لله لأننا لا نعلم هل هم أولياء لله أم أولياء للشيطان. ثالثاً : إذا ثبت أنهم من أولياء الله فإنهم لا يزارون من أجل التبرك بزيارتهم ، أو دعائهم ، أو الاستغاثة بهم ، والاستعانة بهم ، وإنما يزارون كما يزار غيرهم للعبرة والدعاء لهم فقط ، على أنه إن كان في زيارتهم فتنة أو خوف فتنة بالغلو فيهم ، فإنه لا تجوز زيارتهم دفعا للمحظور ودرءاً للمفسدة. فأنت أيها الإنسان حكم عقلك ، فهذه الأمور الثلاثة التي سبق ذكرها لا بد أن تتحقق وهي: ا- ثبوت القبر. ب- ثبوت أنه ولي . ج- الزيارة لأجل الدعاء لهم.فهم في حاجة إلى الدعاء مهما كانوا فهم لاينفعون ولا يضرون ، ثم إننا قلنا : إن زيارتهم من أجل الدعاء لهم جائزة مالم تستلزم محظوراً. أما من زارهم ونذر لهم وذبح لهم أو استغاث بهم ، فإن هذا شرك أكبر مخرج عن الملة ، يكون صاحبه به كافراً مخلداً في النار.
(310) سئل فضيلة الشيخ - حفظه الله - : عن حكم الدين في بناء المقابر بالطوب والأسمنت فوق ظهر الأرض؟ . فأجاب -حفظه الله - بقوله : أولاً أنا أكره أن يوجه للشخص مثل هذا السؤال بأن يقال: ما حكم الدين، ما حكم الإسلام وما أشبه ذلك لأن الواحد من الناس لا يعبر عن الإسلام إذ قد يخطئ ويصيب ونحن إذا قلنا : إنه يعبر عن الإسلام معناه أنه لا يخطئ ، لأن الإسلام لا خطأ فيه ، فالأولى في مثل هذا التعبير أن يقال : ما ترى في حكم من فعل كذا وكذا أو ما ترى فيمن فعل كذا وكذا ، أو ما ترى في الإسلام هل يكون كذا وكذا حكمه ، المهم أن يضاف السؤال إلى المسؤول فقط. أما بالنسبة لما أراه في هذه المسألة فهو أنه لا يجوز أن يبنى على القبور فقد ثبت عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، (311) سئل فضيلة الشيخ - حفظه الله - : عندنا عدد من المساجد بأسماء الأنبياء مثل جامع النبي يونس وغيره من الجوامع ويوجد داخل المسجد مرقد ذلك النبي ويذهب الناس ويصلون في داخل هذه المساجد وفي الحديث الذي ما معناه فأجاب - حفظه الله - بقوله : تسمية المساجد بأسماء الأنبياء لا ينبغي لأن هذا إنما يتخذ على سبيل التقرب إلى الله-عز وجل- أو التبرك بأسماء الأنبياء ،والتقرب إلى الله بما لم يشرعه ، والتبرك بما لم يجعله الله سبباً للبركة لا ينبغي ، بل هو نوع من البدع . وأما كون قبور الأنبياء في هذه المساجد فإنه كذب لا أصل له فلا يعلم قبر أحد من الأنبياء سوى قبر النبي، صلى الله عليه وسلم ،وقبور الأنبياء كلها مجهولة فمن زعم أن مسجد النبي يونس كان مرقد يونس أو كان قبر يونس فإنه قد قال قولاً بلا علم ، وكذلك بقية المساجد أو الأماكن التي يقال عنها : إن فيها شيئاً من قبور الأنبياء فإن هذا قول بلا علم وأما صحة الصلاة في المساجد التي بنيت على القبور فإن كان القبر سابقاً على المسجد بأن بني المسجد على القبر فإن الصلاة فيه لا تصح ويجوز هدم المسجد لأن النبي ، صلى الله عليه وسلم ،قال: والصلاة في هذا المسجد السابق على القبر صحيحة إلا إذا كان القبر تجاه المصلين فإن الصلاة إلى القبور لا تصح - كما في صحيح مسلم من حديث أبي مرثد الغنوي - أن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، قال : (312) سئل فضيلة الشيخ - حفظه الله - : عن حكم التبرك بالقبور والطواف حولها بقصد قضاء حاجة أو تقرب وعن حكم الحلف بغير الله ؟ . فأجاب بقوله : التبرك بالقبور حرام ونوع من الشرك وذلك لأنه إثبات تأثير شيء لم ينزل الله به سلطاناً ولم يكن من عادة السلف الصالح أن يفعلوا مثل هذا التبرك فيكون من هذه الناحية بدعة أيضاً وإذا اعتقد المتبرك أن لصاحب القبر تأثيراً أو قدرة على دفع الضرر أو جلب النفع كان ذلك شركاً أكبر إذا دعاه لجلب المنفعة أو دفع المضرة . وكذلك يكون من الشرك الأكبر إذا تعبد لصاحب القبر بركوع أو سجود أو ذبح تقرباً له وتعظيماً له قال الله تعالى : وأما الحلف بغير الله فإن كان الحالف يعتقد أن للمحلوف به منزلة مثل الله تعالى فهو مشرك شركاً أكبر وإن كان لا يعتقد ذلك ولكن كان في قلبه من تعظيم المحلوف به ما حمله على أن يحلف به دون أن يعتقد أن له منزلة مثل منزلة الله فهو مشرك شركاً أصغر لقول النبي ، صلى الله عليه وسلم : ويجب الإنكار على من تبرك بالقبور أو دعا المقبور أو حلف بغير الله وأن يبين له أنه لن ينجيه من عذاب الله قوله : هذا شيء أخذنا عليه فإن هذه الحجة هي حجة المشركين الذين كذبوا الرسل وقالوا: ولا يحل لأحد أن يحتج لباطله بكونه وجد عليه آباءه أو بكونه عادة له ونحو ذلك ولو احتج بهذا فحجته داحضة عند الله تعالى لا تنفعه ولا تغني عنه شيئاً . وعلى الذين ابتلوا بمثل هذا أن يتوبوا إلى الله وأن يتبعوا الحق أينما كان وممن كان ومتى كان وأن لا يمنعهم من قبوله عادات قومهم أو لوم عوامهم فإن المؤمن حقاً هو الذي لا تأخذه في الله لومة لائم ولا يصده عن دين الله عائق. وفق الله الجميع لما فيه رضاه وحمانا عما فيه سخطه وعقوبته.
|